جميع الأسعار تشمل ضريبة القيمة المضافة.
الهرمينوطيقا والفلسفة

الهرمينوطيقا والفلسفة

نحو مشروع عقل تأويلي

المؤلّف:
تاريخ النشر:
2022
تصنيف الكتاب:
عدد الصفحات:
1165 صفحة
الصّيغة:
49.99 ر.س

نبذة عن الكتاب

إن الفلسفة بوصفها إبداعاً للمفاهيم وحفزاً في أنظمة المعرفة وتأسيساً لإستراجية السؤال وسعياً لفهم الكائن في هذا الوجود، تبقى دائماً وأبداً، حواراً تساؤلياً بين الكائن والكينونة عبد وسيط اللغة، بما هي مسكن الكائن ووطنه في هذا الوجود.
فهو، أي الكائن، يبقى كينونة لغوية مخلّقة وغير مخلّقة، وبما أن اللغة ...هي شكل من أشكال هذا الوجود، فإن الإنسان بها يتحول من كائنه الإنساني إلى كائنه الكلامي، الإبداعي، وكذلك الأشياء، فإنها داخل عالم اللغة، الوجود تتخلى عن معانيها الأولى التي كانت تحملها في عالم الأشياء لتتحول إلى كائنات لغوية لا تدل خارج هذا الوجود اللغوي، بل إنها لا تنفك وهي تبحث عن مدلولات نفسها أن تتحول إلى دوالٍ لا تحيلك إلا على غيرها في الصيرورة. وبدل أن ترتبط بالحقيقة أو تدلّ على معاني الأشياء تصبح رموزاً وعلامات في هذا العالم أو الوجود، الذي يتحول بدوره إلى وجود دلالي فسيح لا مكان فيه إلا المعرفة / اللغة التي تنتظر المؤول لبعيد إكتشاف ذاته والوجود معاً، أو قل يرحل عبرها إلى وطنه الأول، حيث زمن المعنى الأول؛ إذ لا فكاك لأي رحلة أو عملية عود من ملاحقة الأشياء في أوطانها / تاريخيتها / تراثها؛ لأن فعل التأويل ليس منهجاً متعالياً أو معطىً قبلياً جاهزاً يسلّط سيف أحكامه الوثوقية على كل معرفة، بل أن نظرته / تأويله / فهمه / هي، أولاً وقبل كل شيء، تأويل ذاته عبر مسارات تحوله في الوجود، ضمن سياق إنتظامه فكرة فمعرفة فهماً فتأويلاً، وما ذلك في المحصلة إلا صنع لتاريخيته لكائن تاريخي، وإعادة تشكيل للأشياء من حوله، في إطار علاقته / تفاعله / حواره معها عبر سلطان اللغة ذلك الوسيط médium بإمتياز. وعلى ذلك فإنه يتسنى للتأويل الولوج إلى قلب الثقافات لإعادة مراجعة مشاريعها الكبرى، وبدل أن يقتصر دوره على مجرد فهم الوجود / الأشياء / النصوص، يغدو تأويلاً للتأويل ونقداً للنقد وفهماً للفهم، متخذاً من اللغة دليله في مسعاه، والوسيط الذي به بعيد أشياء الماضي / التاريخ، التراث على أنها تاريخه الخاص كينونة لغوية تملك القدرة على الترحال، حيث الوجود الأول للمعرفة، ليس دخولاً أو ذهاباً إلى هذا التاريخ، التراث كما يصنع البعض، ظناً منهم بأن الماضي نرحل إليه ونعيش في زمنه، والحقيقة خلاف ذلك، فهو، أي الماضي، يتمنع ويرفض ذلك الصنيع، إنما هي ذواتنا عارفة / مفكرة / واعية / فدولة من يجعله بحياتنا، في وطن الكائن وزمن الكينونة من خلال دمج / صهر آفاقنا بآفاقه وآفاق منتجيه وتلقيه هناك.
من هنا، فإنه ولمّا كان مرام هذه القراءة من الهرمبتوطيقا والفلسفة، الولوج إلى قلب المشاريع النقدية ومحاصرتها داخل أنساقها المعرفية، فإن الباحث توسل في رحلته هذه بالمقاربة الأركيولوجية / الجنيالوجية، بوصفها رؤية نقدية ومشروعاً طموحاً يغزو أبنية المعرفة وأنظمة الخطابات، قصد تعرية مركزيتها وتفضح سلطويتها وقهرها، فهي، أي المقاربة الحفرية، لا ترى إلى الخطاب كوثيقة، حيث يختفي ما هو عميق وجوهري فيه، بقدر ما تعنى بالخطاب في حدّ ذاته بوصفه نصباً أثرياً، ولا تسعى أيضاً، كما هو شأن التأويليات الكلاسيكية، إلى إكتشاف خطاب آخر يقف خلف الخطاب، كما ترفض أن تكون دراسة تبحث عن المعنى الحقيقي المزعوم خلف المعنى الظاهر.
بمعنى آخر، ترفض ترويد ما قيل، فهي لا تسمع إلا صوتها، إنها كتابة ثانية، تضطلع، لا بترصد لخطة تشكل الخطاب أو لحظة اندثاره، وتناهيه، بل بإبراز خصوصية الخطاب، بوصفه خطاباً مختلفاً، وتفحّص القوانين التي يشتغل ضمنها، حتى يتأتي لها الوقوف على المختلف / المفارق في صيغ الخطاب ووجوهه المتعددة. إنها قراءة إبداعية للخطاب، بحثاً عن الممكن / المستحيل.ثمة من يخرج فعل التأويل من ضيق التقنية والإجرائية الموضوعية إلى فسحة الوجود الأول، وإلا فما قيمة أن يكون كل تأويل هو بحث عن معنى أول يتعذر حصوله. وليس أدل على ذلك من رحلة العقلانية، التي تنتهي دوماً عند منطلقها الأول: إذ لولا هذا العود/التأويل لما تأتي لها كسر طوق المنظومات المعروفية والأجهزة المفهومية التي أقامتها لنفسها، بل لولا هذا الصنيع لاستحالت خطاباً دوغمائياً مغلقاً أو شبجاً إيديولوجياً يطارد العقل النقدي/التأويلي ويتربص له كل حين، وبكيفي دليلاً العقل التأويلي على هذا الطابع العروبي للمعرفة وتفلتها من كل تأويل عبر فعالية اللغة.
يغدو التأويل، إذاً، فلسفة تخترق حدود كل فكر/ معرفة/ ثقافة لا تتوق إلى بناء الصروح كما كان حال المشاريع الكبرى في الفلسفة الغربية، بدءاً من أفلاطون وصولاً إلى ماركس، أو ما كان عليه حال المذاهب والفرق الكلامية والفلسفة في الثقافة العربية الإسلامية. فالتأويل، بوصفه إعادة بناء/ اكتشافاً للأشياء، يعبر عن أفول عهد المشاريع/ الصروح، وبداية عهد المعاودة/ المراجعة/ التقويض/ التفاعل/ الاندماج/ الحوار. فلا يعزب عنا أن التأويل بهذه الرؤية، هو أصل المناهج كلها، ولا يسعه أن يبقى كذلك إلا إذا وسع أفق مجاله، فلا يقتصر عمله على ملاحقة جمالية/ شعرية النصوص في الفن فحسب، بل تكون العلوم الإنسانية والثقافة والوجود، بوصفها نصوصاً/ علامات منتهى ما يتطلع إليه، فيصدق مشروع الفكر المعاصر في تحول نظرية التأويل من تأويل النصوص إلى تأويل الثقافة، وذلك بإعادة قراءتها وتقويض أنظمختها المركزية، وتتبع تحولات المفاهيم والمقولات داخلها، واكتشاف الأنساق الخفية المنسية قهراً وتغييباً باعتبارها نصوصاً مواتاً تنتظر من يعيد بعثها أو ينفخ فيها الحياة والحركة، دون أن يكون ذلك كدعاة للقول بأننا اكتشفنا كنزاً أو أمسكنا الحقيقة، إنما هو بعث/ إعادة تأويل على مستوى الممارسة التأويلية كفعالية نقدية لا تقف عند حد أو تدعي الوصول. كما أن هذا الكشف يتيح لنا تعرية الخطابات الإيديولوجية داخل هذا المقهور/الهامش، وفضح مضمراتها وتبديد أوهامها.
لم يتم العثور على نتائج