جميع الأسعار تشمل ضريبة القيمة المضافة.
رقصة واحدة لا تكفي

رقصة واحدة لا تكفي

المؤلّف:
تاريخ النشر:
2019
عدد الصفحات:
189 صفحة
الصّيغة:
19.99 ر.س

نبذة عن الكتاب

تحاول الحياة أن تحدد أبعاد قالب معين، لتحشرنا فيه، فإما نتقلص لنتشكل مثل ما تريد، أو نناضل لكسر ذلك القالب ونهزمها، وحذارِ من الثقة فيها، فالأمان الذي تظنه يدوم أعواما، قد يتلاشى بصفعة منها، بلحظة واحدة يتغير مؤشر بوصلة مستقبلنا. وهذا ما حدث في حياتي، تغير اتجاه بوصلتها، انتقلت من عالم إلى آخر. من هولندا، وطن ولدت على أرضه وأنتمي إليه، إلى العراق. بلد غريب عني، ولا يمدني بصلة غير أن والدي ولد فيه، وعاش حتى حانت الفرصة إلى هجره.

هاجر والدي من العراق في نهاية السبعينيات متجها إلى هولندا، ضمن بعثة دراسية في مجال هندسة الشوارع والبنية التحتية، وعندما أكمل عامين من الدراسة، كان صدام حسين قد تولى السلطة، وصار رئيسا وابتدأ حربه مع إيران، كانت مواليد أبـي قد أذيعت للتقدّم إلى الخدمة العسكرية، بمعنى أدق إلى الموت في الحرب الغبية، ورغم ما ملكه والدي من ذكاء، غير أن حبه لوطنه وشوقه وقلقه على أهله قد أعمياه وأضعفاه، لدرجة أراد العودة ومواجهة مصيره أيا يكن. غير أن الرسالة التي وصلته آن ذاك من جدي، ردعته عن تلك الفكرة المجنونة، ليؤجل عودته حتى انتهاء الحرب، فاضطر إلى تقديم لجوء إنساني، لتكون عذرا لإقامته بعد انتهاء إقامته بحجة الدراسة... ثم استطاع بفضل شهادته إيجاد وظيفة في شركة هولندية، ورغم أن الحياة أغدقت عليه بالعطايا والمتع غير أن عينيه ظلتا تتطلعان إلى العراق، إلى أهله، إلى الحرب التي خرج منها العراق بخسائر فادحة، شهداء، معاقين، أسرى، أمهات ثكلى، أرامل، يتامى وديون يترتب على العراق دفعها.

عادت فكرة عودة والدي إلى العراق مرة أخرى تتبلور في رأسه، غير أن جدي أرسل له رسالة أخرى وأخيرة تردعه بعذر الخوف من عقاب ينتظره من الحكومة بسبب تخلفه عن التقدّم للخدمة العسكرية، طالبا منه التمهل حتى تستقر الأوضاع في العراق، بعد تلك الرسالة توفي جدي بجلطة دماغية، أغمض عينيه، وبرّد جسده، ودفن في لحده، وظل العراق ساخنا بالأحداث، فالوضع لم يستقر عامين حتى غزا العراق الكويت قبل أن ينسحب بخسائر أكثر فداحة، تزامنت مع الانتفاضة الشعبانية، حرب الخليج الأولى، فرض العقوبات الدولية، حصار اقتصادي دام أعواما، لم ييأس أبـي من العودة غير أن ارتباطه بأمي ومجيئي إلى هذا العالم أعاقا عودته إلى وطنه، لم يكن لقاؤهما الأول صدفة قدرية، بل رتب من قبل صديق له على علاقة بعائلة والدتي، والدتي التي هي نصف عراقية من الأب وهولندية من الأم.

كان جدي (والد أمي) حينها في عقده السادس ومصابا بسرطان الأمعاء الغليظة، وحسب قول الأطباء آن ذاك لم تكن حياته لتستمر أكثر من نصف عام، ولكي يطمئن قبل موته على ابنته الوحيدة، قبل بأبـي رغم فارق عشرة أعوام بينهما، فوالدتي كانت في بداية العشرينات، بينما والدي في الثلاثينات، ورغم اعتراض جدتي الهولندية على ذلك الزواج المبكر، غير أنها رضخت ووافقت عليه في النهاية، تم الزواج وحين ولدت بعد عام منه، كان جدي قد رحل عن العالم، رحل جدي الذي عرفت فيما بعد أنه كان ملازما أول في عهد الملك فيصل الثاني، ملك العراق الذي قُتل مع عائلته الملكية في قصر الرحاب لينتهي باغتياله العهد الملكي ويبدأ العهد الجمهوري، ومع انقلاب السلطة، انتقل جدي إلى الملحقية العسكرية التابعة للسفارة العراقية في بريطانيا، وفي عشاء عمل تعرف على جدتي التي والدها سفيرا لهولندا في بريطانيا، نما الإعجاب بينهما، وصارا حبا، ثم توج بالزواج، سافرا كثيرا، عاشا مغامرات عديدة وتعرفا إلى عادات مختلفة باختلاف البلدان التي زاراها، ثم ولدت أمي بعد أن استقرا السكن في هولندا.

بعد وفاة جدي بخمسة أعوام، توفيت جدتي الهولندية في حادث سير. وبهذا تحجمت عائلتي وقٌطع جذري الأساسي في هولندا.
لم يتم العثور على نتائج