سيكوديناميات الاكتئاب لدى عينة من الأطفال

هناك ما يشير إلى أن الناس في الحياة المعاصرة يعانون من الاكتئاب بصورة أكبر مما كان الناس يعانون منه في الماضي، وفي المجتمعات السابقة. كما تبين لنا الدراسات المسحية أنه اضطراب شائع في كل الحضارات الإنسانية لدرجة أنه يحلو لكثير من الأدباء والكتاب أن يصفوا عصرنا هذا بأنه عصر الاكتئاب، فنجد "ويليام شكسبير" على لسان "بولونيوس" يصف لنا "هاملت" عندما صدته ابنته عنها في عبارة شديدة الدلالة لما فيها من تقارب شديد بين المفهومين المعاصر والشيكسبيري للاكتئاب:(*) "فما صدته عن نفسها –ولنختصر الحكاية- أصابه الآسى، ثم امتنع عن الأكل، ثم حرم النوم، ثم أصيب بالضعف، ثم أبتلى بالخفة، وبهذا التردي والهبوط بلغ درك الجنون الذي يهذي الآن فيه ويبكينا جميعًا عليه". ومن الجميل أن شكسبير لم يضف على وصفه للاكتئاب مسحه رومانتيكية أو صورة سحرية، بل أنه يصف الأعراض كما يصفها أي عالم معاصر، ويعامله بصفته حالة من الاضطراب التي تحتاج إلى العلاج، فهناك في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها أكثر من 20 مليون من الناس يعانون من هذا الاضطراب كما شهدت الحقبة الأخيرة زيادة هائلة في حدوث هذه الحالات في كل أرجاء العالم، فمن واقع الإحصائيات العالمية تبين أن ما لا يقل عن مائة مليون شخص يصابون بالاكتئاب كل عام في مختلف البلدان، حيث ذكرت تقارير لمنظمة الصحة العالمة أن من 2: 5% من سكان العالم يعانون من حالة شديدة أو متوسطة من الاكتئاب. أي أن لدينا حوالي 300 مليون من البشر في حالة اكتئاب نفسي. ولعل أبلغ تعبير عن هذه الحقيقة هو قول "ميلاني كلاين": "بأن المعاناة التي تسببت للإنسانية من آثار الاكتئاب النفسي تفوق تلك التي نتجت عن بقية الأمراض الأخرى مجتمعة"