متعايشون في الظل

يعد الإيدز - متلازمة العوز المناعي المكتسب - كما يُشار إليه، من الأمراض التي تسبب حرجاً كبيراً للمصابين بها، على الصعيد الاجتماعي، خصوصاً في مجتمعاتنا العربية. وإذا تساءلت عن السبب في ذلك، فكّر في المرات التي صادفت بها شخصاً مصاباً، أو حتى المرات التي شاهدت فيها حملة توعوية عن فايروس الإيدز.. كيف كانت ردة فعلك وتصرفك في ذلك الموقف؟

إن كان تصرفك حينها هو النفور والابتعاد عن المكان - كما هو حال الأغلبية - فاعلم بأنك جزء من مشكلة المصابين بالإيدز.

فعلى الرغم من التقدم الطبـي في ما يخص العلاجات المتوفرة والمضادة للفايروسات القهقرية والتي تمكّن من مكافحة الفايروس بوقف أو عرقلة تكاثره داخل الجسم، واستحالة انتقال العدوى إلا عن طريق سوائل الجسم بأربع طرق هي: الاتصال الجنسي، نقل الدم، المشاركة في استخدام الحقن الملوثة، من الأم الحامل إلى الجنين، إلا أن الاعتقادات الخاطئة عن انتقال فايروس الإيدز لا تزال سائدة، كالاعتقاد بانتقال الفايروس عن طريق مصافحة الشخص المصاب مثلاً، أو استخدام المرافق العامة بعد الشخص المصاب.

بالإضافة إلى ارتباط الإصابة بالإيدز بالجانب الأخلاقي واعتبار الشخص المصاب مرتكباً لخطيئة لا تغتفر، كل ذلك يؤدي إلى نفور المجتمع من المصابين بالإيدز والخوف من مخالطتهم، والذي بدوره يؤثر سلباً على الجانب النفسي للمصابين ويحبط معنوياتهم، ويحط من نظرتهم إلى أنفسهم، ويدفعهم إلى السعي لجعل أمر إصابتهم طي الكتمان.

ولا يقتصر الأمر على نبذ المجتمع للمصابين بالإيدز، بل حتى على صعيد الدراسات الاجتماعية المحلية منها والعربية، فإنها تناولت واقع الإصابة بصورة محتشمة وركزت في معظمها على الجانب الاستطلاعي وبحث آراء واتجاهات أفراد المجتمع عن المصابين.

من هذا المنطلق بالإضافة إلى احتكاكي بهذه الفئة من خلال عملي كأخصائية اجتماعية، وجدت أن إبراز واقع المصابين بالإيدز - والذين سأشير إليهم بالمتعايشين فيما بعد - أمر ذو أهمية كبيرة على صعيد الدراسات الاجتماعية المحلية، حيث سأسلط الضوء على عينة من المتعايشين أنفسهم، من خلال إبراز واقعهم ومدى تمكينهم من الحقوق الوظيفية والاجتماعية وآليات تكيفهم، خصوصا وأن ظروف الإصابة تؤثر على الأفراد في الفترات العمرية الأكثر حيوية بالإضافة إلى تأثيرها على الوضعين الاجتماعي والاقتصادي، وانعكاسات ذلك بالتأثير على تركيبة المجتمع بشكل عام في ظل تبعات الوصم الواقع على المتعايشين.