الصالح والطالح في الحكم والحكام

يقول المؤلف والصحافي المستمر في عمله منذ نصف قرن، أن هذا الكتاب هو الثاني في نوعيته وروحيته لكتابه الأول "تحت ظلال الذكريات" واستمرار له، والذي شمل موضوعات حول "مئة شخص بعضهم في قمة السلطة والبعض يحلّق في فضائها"، كما أنه يعتبر أنه لحين صدور كتابه الثالث الذي سينجز في الإطار نفسه، يكون قد أكمل "بعض الواجب ككاتب عاش وقرأ وتابع على مدى نصف قرن وقدّم للقارئ التوّاق إلى المعرفة الكثير من الحقائق والوقائع والمآسي المتصلة بعشرات الحكّام العرب والمسلمين وبمئات الذين عملوا بجوارهم وفي حمى سلطانهم وزراء أو مستشارين أو سفراء". هذا بالإضافة إلى المقالات المتنوعة التي يطلّ فيها الصحافي الخبير بالتعليق والتحليل على مجريات تاريخية وعلى مفاصل أساسية في الجسم السياسي العالمي والعربي، وعلى بعض المفاهيم والمصطلحات التي طبعت فترات تاريخية معينة وكان لها أهميتها ووقعها، وكل ذلك بأسلوب سلس وبسرد مشوق يفتن القارئ، ويثير اهتمامه لمتابعة الخبر أو القصة أو الحكاية، فلا بد لها أنّى كان شكلها من أن تعكس زيادة في المعرفة، أو تضيء جانباً من الجوانب الخفية والتي لا يعرف ماهيتها إلا صحافي قدير وخبير في كشف المستور من الحقائق، يلاحق الإشارات والمؤشرات والأحداث فلا تثنيه عقبة أو تعرقل وصوله إلى هدفه صعوبة. يقدّم في البداية نصيحة وحلاً "للحكام السابقين والمحكومين الدائمين: التأليف والقراءة هما الحل"، لتنساب بعدها أعداد وأنواع من الأخبار المتفرقة عن بلدان مختلفة في الغرب والشرق كلبنان ومصر وتونس والجزائر وتركيا وإيران والسعودية، أو أميركا وبريطانيا وروسيا والصين والهند وغيرها، ومن التعليقات على حدث أو صفقة أو اتفاقية، ومن اللقاءات مع شخصيات متنوعة من الحكّام والرؤساء المعاصرين أو ملاحقة أثر أو تأثير من مضى منهم عبر متابعة أخبار أولادهم، أو استعادة ما لهم من فضائل ومميزات، وما عليهم من سيئات ونواقص. فماذا يحصل مثلاً "عندما تصيب الدهشة زعيم الصين... مثلما أصابت خروتشوف لدى رؤية أميركا"، وما هي "ذكريات الشاهد المتميز حليم أبو عز الدين عن الزمن العربي المحترم والقمم التاريخية"، وهل وُضعت فعلاً "خطة مخابراتية ساذجة أمر عبد الناصر بتنفيذها لتهريب بن بيللا ورفاقه من السجن في فرنسا"، وما هي "الوقاية المطلوبة في مجالات الثقافة الهابطة تداركاً لولادة ظاهرة المواطن العربي الهابط"، وهل يشكّل "لبنان...العاصمة الصيفية للخليجيين من الآباء والأجداد أو كأنما هو الوطن الثاني لهم وللأحفاد"، وهل أن "الدولة الشيوعية دفعت ثمن الاستهانة بالأديان والدول الرأسمالية بدأت تدفع ثمن الاستهانة بالقيم"؟، وغيرها الكثير من العناوين الجذابة لمعالجات موضوعية تنير ذهن القارئ وتجعل منه متواطئاً مع خبرة صحافي لامع ومحنك وخبير دفع عبر محطات حياته المهنية ثمن امتلاكه لمعرفة نادرة وخاصة ومميزة يقدمهّا للقارئ ويمده بها. "في عطاء فؤاد مطر الجديد عودة إلى ذكريات بقيت عالقة في ذهنه، وإلى مذكرات تجّذرت في عمق التاريخ"، فـ "أولئك الحكام العرب والمسلمون من السابقين ومن اللاحقين، كانوا آذاناً صاغية لما طرحه عليهم فؤاد مطر من أسئلة ذكية ومحرجة"، بحسب ما قال محمد البعلبكي نقيب الصحافة اللبنانية في مقدمته القيّمة للكتاب .